التراث المعماري

السلام عليكم ورحمة الله وبركتة

الاسم:ذيب الامارات

تعدد مواضيع وأشكال الإرث المعماري ذي الصبغة التاريخية بموريتانيا، وقد ارتأينا حصره ضمن ثلاثة عناوين، في هذا العمل وذلك تبعا للتقسيمات المعهودة لفن العمارة: عمارة حربية، دينية وسكنية. وهي الفروع التي تنضوي تحتها أبرز مفاصل التراث المعماري المحلي.

العمارة الحربية تتحدث بعض المصادر العربية عن عدد من المعالم الحربية التي أسسها المرابطون في هذا البلد، وكما لاحظ جورج مارسي ، فلقد ركز فن العمارة لدى المرابطين بدرجة أولى على العمارة الحربية أكثر من اهتمامه بالعمارة المدنية، إذ طبع المرابطون حضورهم في جميع البلدان التي حكموها بترك حصون حربية. وهذه الملاحظة الثاقبة وإن وجدت إثباتا آخر لها - في صحرائهم- على الأقل من لدن المصادر الوسيطة، إلا أن التأكد من وجود رسم لهذه المعالم على الأرض قد يحتاج إلى إثبات أركيولوجي.

فقد تحدث البكري وابن أبي زرع عن رباط عبد الله بن ياسين بوصفه أول المعالم ذات الطابع الحربي التي اقامها المرابطون بالصحراء قبل توسعهم إلى الشمال، وظل الغموض يكتنف تحديد موقع هذا الرباط رغم الأعمال التي تناولته ولعل أكثر الافتراضات قبولا بشأنه تلك التي صاغها الباحث البرازيلي باولو فرناندو دي مورياس فارياس وذلك استنادا إلى ما ذكره ابن خلدون من أن موقع هذا الرباط يوجد بمدخل بحري (شبه جزيرة) يرتبط باليابسة بواسطة معبر أرضي تغمره المياه في فصل الشتاء، بحيث تعزلها عن الأرض واستنادا إلى هذه المعطيات اعتبر دي مورياس فارياس أن موقع رباط ابن ياسين الذي تحدثت عنه المصادر ربما يكون بجزيرة تيدره، إلا أن الرحلات الاستكشافية التي قام بها هذا الباحث في مهمتين سنة 1965 لهذا الموقع رفقة الأثري ﻫ.ج.هيكَو والمؤرخ المختار ولد حامد، لم تقف على أي أثر معماري لهذا المعلم.

ويعد الحصن الحربي للمرابطين بجبل لمتونة (آدرار) أحد المعالم الحربية الهامة، فقد ذكر البكري وجود حصن لهم بالصحراء بموضع يسمى أزكَي، وصف أن حوله عشرون ألف نخلة، وأنه كان قد بناه ينوا بن عمر شقيق أبي بكر بن عمر في موضع بجبل لمتونة. وقد اعتمد ريمون موني على هذه الإشارة أثناء الأسبار الأثرية التي قام بها بآزوكَي سنة 1953، حيث عثر على بقايا معلم ذي شكل مستطيل منحرف قليلا يبلغ امتداده على الجهتين الشرقية والغربية حوالي 100 متر تقريبا، ومن الجهتين الشمالية والجنوبية يتراوح امتداده مابين 70 إلى 80 مترا تقريبا.

وقد اعتبر ريمون موني أن بقايا هذا البناء هي آثار الحصن المرابطي الذي ذكره البكري. وظل الاعتقاد سائدا بصحة هذه النتائج إلى أن كلف المعهد الموريتاني للبحث العلمي سنة 1980-1981 كلا من الباحثين دنيز روبير وبرنار سايزون بالقيام بأسبار أثرية جديدة بآزوكَي محصت الأعمال السابقة وتبين أن بقايا الأسوار التي نسبها ريمون موني للعهد المرابطي هي بقايا بناء متأخر . وقد اعتمد الباحثان في النتائج التي خلصا إليها على اختبار بقايا من البناء بواسطة الكربون14. فهل كانت العمارة الحربية للمرابطين هشة إلى هذا الحد؟ أم أن الأمر كما يعتقد برنار سايزون قد لايخلو من مبالغة المصادر العربية الوسيطة في وصفها لهذه المعالم؛ إذ لم تكشف الأركيولوجيا الكثير بهذا الموقع.

العمارة الدينية تشكل الجوامع والمساجد أبرز مواضيع العمارة الدينية بالنسبة للإسلام. ومن الملفت للنظر أن مونوغرافيات الأركيولوجيا بمواقع تكَداوست، كومبي صالح وآزوكَي لم تسعفنا إلا بشذرات حول هذا الموضوع، فأسبار كومبي صالح لم تكشف سوى عن أنقاض مسجد واحد من بين أثنى عشر مسجدا ذكر البكري وجودها بمدينة غانه، ويعتبر ريمون موني أول من كشف عن هذا المعلم سنة 1951 أثناء الأسبار التي قام بها بكومبي صالح، وقد وضع مخططا لهذا المسجد وأمدنا بأبعاده التقريبية؛ ويأخذ هذا المعلم شكلا مستطيلا ويتألف من جزئيين: بيت الصلاة وصحن مكشوف و قام سيرج روبير في وقت لاحق، سنة 1972، بكشف أجزاء هامة من محراب هذا الجامع وجدار القبلة كاملا بالإضافة إلى الرواقين الأماميين، كما حدد أبعاد ومداخل بيت الصلاة، ووضع مخططا له. ويفترض سيرج روبير وجود رواق يطل على الصحن بهذا الجامع، تبعا للمعايير المتبعة في تخطيط الجوامع المغربية ، مع أن ريمون موني قد علل وجود الصحن المكشوف في هذا المسجد بكونه القاسم المشترك بين الجوامع الصحراوية والسودانية . وقد اعتبر جان ديفيس أن هذا المسجد من أجمل المعالم الإسلامية المعروفة حتى الآن بالنسبة للقرون الأولى للإسلام بغرب إفريقيا.

ولم ينشر ضمن نتائج حفريات تكَداوست الشيء الكثير عن العمارة الدينية، إذ لم نقف على ما يتعلق بهذا الموضوع في أي من أجزاء تكَداوست الخمسة، سوى ما نشره جان ديفيس بخصوص مسجد صغير عزى إلى ريمون موني اكتشافه ووضع مخطط تقريبي له. وعليه يبدو شكل الجامع القديم بتكَداوست استثناء لوضعية الجوامع المركزية المعهودة وسط النسيج العمراني للمدن الإسلامية، إذ كشفت الحفريات عن أنقاض مسجد بأحد أطراف المدينة وقد كشف سيرج روبير عن قرابة هذا المسجد بالنمط المغربي من خلال تصميمه الذي يتكون من بيت للصلاة يفضي إلى صحن تحيط به أروقة جانبية، ورصد موضع مئذنة في زاوية الصحن. ولم نقف على أي إشارة تذكر عن كشف أي أثر لمسجد في أسبار آزوكَي يعود لحقبة الإعمار الوسيطة.

وتعد مساجد الحواضر القائمة:شنقيط، وادان، تيشيت وولاته امتدادا وتواصلا من أنماط العمارة الدينية في المدن المندثرة وذلك في مستوى وحدة التصميم، واستخدام تقنية الحجارة في البناء. ويبدو أن مئذنة مسجد شنقيط العتيق هي واحدة من أقدم المعالم القائمة بالنسبة للعمارة الدينية بموريتانيا، حسب ما يستشف من إشارة وردت لدى الفقيه سيدي عبد الله بن الحاج ابراهيم أن مئذنة هذا المسجد قد تم بناؤها في بداية القرن15م. كما ذكر أيضا أن شنقيط كان يوجد بها أيام ازدهارها أحد عشر مسجدا لم يبق منها اليوم سوى الجامع العتيق، الذي طال التجديد بيت الصلاة به مرات عديدة، على ما يبدو. وتجدر الإشارة إلى أن وادان وولاته وجد بهما أيضا في فترة من الفترات، بالإضافة إلى جامعيهما العتيقين، مسجد ثان (جامع الخطبة الحالي بوادان) و(مسجد إديلبه المندثر بولاته). وعلى ما يبدو فقد كان مبعث تعدد المساجد بهاتين الحاضرتين نتيجة لخلافات داخلية.

. العمارة السكنية نالت العمارة السكنية نصيب الأسد من الدراسات والأبحاث المتعلقة بالعمارة التقليدية الموريتانية، فقد أفردت لها أوديت دي بيغودو دراسة قيمة، و درستها بمنطقتي تكَانت والحوض الأثرية الفرنسية دومنيك جاك مونيي كما خصص الأستاذ بيير بونت صفحات ضمن أطروحته لدراسة العمارة السكنية في ﮔصور آدرار التي كانت أيضا موضوع عمل قيم للمعهد الموريتاني للبحث لعلمي سنة 1989، وتناولتها أيضا بعض من أعمال ختم الدروس لطلبة المعهد العالي للفن المعماري بتونس . وبالنسبة للأركيولوجيا انصبت أسبار وحفريات جان بولي وبرنار سايزون في تكَداوست، وصوفي برتييه في كومبي صالح، على دراسة العمارة السكنية بالموقعين. ويعكس تخطيط منازل تكَداوست ذات الشكل المستطيل بصحنها المفتوح تأثير العمارة المغربية . ويستجيب هذا التصميم للمناخ الصحراوي، إذ أثبتت بعض الدراسات أن المنزل ذا الصحن المفتوح منظم لدرجات الحرارة. وقد ذهب ريمون موني إلى تطابق أنماط العمارة السكنية بموقعي تكَداوست وكومبي صالح في مستوى وحدة التصاميم والتقنيات المعمارية.

ويرى جان ديفيس أن استخدام الحجارة في بناء البيوت بهذا المجال الصحراوي يعتبر اختيارا غير صائب نتيجة لحساسية هذه المادة القصوى للحرارة، مما دفع بعض سكان الكَصور مثل ولاته إلى الاقتباس من أساليب النمط المعماري السوداني وذلك من خلال إكساء جدران المنازل بطبقة عازلة من الطين للحد من درجات الحرارة.

وقد أخفقت حفريات كومبي صالح في العثور على آثار قصر ملك غانه الذي ذكر الإدريسي أنه قد شيد سنة 520ﻫ/ 1126م، وكان من شأن اكتشاف أثري كهذا - لو تحقق - أن يميط اللثام عن جوانب ما زالت غامضة من العمارة السكنية الرسمية التي عرفها البلد في العصر الوسيط.

تسلم اخو ي ذيب الامارات

تسلم اخوي ذيب