سيرة الماجدي بن ظاهر
ابن ظاهر الماجدي
الشاعر المشهور ابن ظاهر الماجدي يمثل ظاهرة غير عادية في عالم الشعر الشعبي الخليجي و في بحر الحكمة الخالد لما يمتاز به من خصوبة الفكر و روعة الحكمة و المثل و صدق التصوير.(تراثنا من الشعر الشعبي - حمد بوشهاب - بتصرف)
نسبه:
يقول الشيح عبد الرحمن بن علي المبارك أن اسم الماجدي بن ظاهر هم علي بن ظاهر،
و قد نسب إلى قبيلة المواجد ، و إن المتتبع لآثار قبيلة المواجد ليصل إلى مفترق عند نهاية طريق التمحيص ، فقد تعددت الروايات في تحديد القبيلة الأم التي تضم قبيلة المواجد مع قبائل أخرى كثيرة، نستطيع أن ننتقي منها ثلاث روايات:
الأولى: للشيخ سلطان بن سالم القاسمي حالك رأس الخيمة سابقا، و يذهب إلى أن المواجد فرع من المزاريع.
الثانية: أحمد بن عبد الله العويس فيذهب إلى أن المواجد قبيلة من قبائل بني ياس سكنت منطقة مزيد القريبة من العين و ما يزالون بها إلى الآن.
الثالثة: لأحمد بن مصبح بن حموده و يقول أن المواجد فرع من المطاريش.
عصره :
إن الباحث المجتهد الساعي وراء الحقائق الممسك بخيوط من القرائن يدرك تمام الإدراك أنه بات من الصعب تحديد الفترة الزمنية التي عاصرها هذا الفيلسوف العملاق، و قد أسرد الدكتور فالح حنظل تلك القرائن في كتابه أمير الشعر النبطي من خلال استدلالات شعرية من قصائد الماجدي نفسه أو من أشعار مشابهة في مقدماتها يُظَن أنها ترجع لنفس الحقبة الزمنية ، و قد ألمح الدكتور فالح إلى وجود ثلاث مواضع تدل على فترات زمنية متباعدة تماماً ألا و هي :
1. مدح الماجدي لقبيلة بني هلال ، تلك القبيلة العمانية المعروفة ، و قد ذكر المؤرخون أن ظهورها كان موازيا لسقوط دولة بني نبهان و استيلاء بني هلال على عدة مقاطعات من المدن التي تفرقت إليها دولة عمان في تلك البرهة من الزمن ، مشيرين بذلك إلى أواسط القرن السبع عشر ، حيث أن سقوط دولة بني نبهان وقع في 1624 م .
شلاغيف الرجال بني هلال إذا من البلا شب التهابِ
طفوا نيران حرب المعتدين و خلو حامي النيران كابي
و اراها اليوم خلية الربوع من النزلات خالية الكعابِ
2.مدح الماجدي ل "سيف بن سلطان اليعربي" الملقب ب "قيد الأرض"، يشير الدكتور فالح حنظل ببنان من الشك و الحيرة إلى البعد الزمني الواقع في حوالي 100 عام بين ظهور بني هلال و وفاة الإمام اليعربي الذي توفي حوالي 1711 م ، و يبين لنا أيضا في دراسته التحليلية كيف أن كثافة الأحداث في تلك الحقبة مثل تحرير عمان من أيدي البرتغاليين تجعل من الصعب تصديق أن الماجدي كان يعاصر هذه الأحداث بقلبه و قالبه في دولته الصديقة - عمان - ثم لا نرى من آثاره ما يضيء لنا ظلام تلك الحروب و لا ما يبعد عن أعيننا ضباب الحيرة، فالماجدي لم يكن ليجهل أو يتجاهل أحداثا عظيما كتلك.
3. ذِكر الماجدي ل " طوفان المعيريض " الذي قتل 90000 من أهل رأس الخيمة المسلمين و من الوافدين غير المسلين (القور):
تسعين ألفٍ من المعيرض برهدوا
مشروكةٍ ما بين مسلم و قورها
و إلى نخيل الحيل جتها مسايل
عواوينها قد غرق الماء جذورها
و قد حدث هذا عام 1871 م.
و الراجح و الله أعلم من هذا كله أنه عاش في نهاية القرن السابع عشر إلى أواسط القرن الثامن العشر الميلادي كما أرخ لذلك الشاعر حمد خليفة بوشهاب في كتابه تراثنا من الشعر الشعبي الذي يضم بين دفتيه روائع الشعر الشعبي القديم ، و قد ذيل لاسم ابن ظاهر بجملته التالية : " المتوفى عام 1123 هجرية " . و نحسبه أيضا من قاطني منطقة رأس الخيمة دون الحاجة إلى الخوض في التفاصيل المتعلقة بتحديد عين المنطقة أكانت "دهان" أم " الخرّان" أم غيرهما.
و مالنا إلا نذهب مذهب الدكتور فالح حين قال :" لا يضير الماجدي أن أحداً لا يعرف أيامه" ، نعم فحسبه شعره الذي تركه لنا بحراً خضماً يزخر بأنواع الحكمة و العاطفة الصادقة .
سيرته:
لن تجد أحداً مؤرخا كان أم باحثا ينقل لنا صورة صادقة لحياة ابن ظاهر أصدق منه نفسه حين يقول عن تجواله و سفره في بلده العظيم الإمارات :
من فجوج الجنوب إلى الشمال
من الظفرة إلى سيفة دهان(1)
و روي الرمل مع سيح الغريف
و وادي المكن داناه المداني(2)
على نزوه و ما حاز الهباب
و وادي الجرن و اسقاه الزمان(3)
و اسقت من قلاح إلى العذيب
مجوج الما.. ثمان في ثمانِ(4)
على الصجعة و ما حاز العشوش
على البطحاء و تمت روهجاني(5)
على رمل الحويمي و الغدير
و سيح اليلح مخضر المثاني (6)
على تاهل و عثمر و الغويل
على وادي سلام و سيهجاني(7)
إلى كفا و ما حاز الخرير
مشرقة تبا حيل الدباني (
على المزرع و خطا و الهزوع
مهايعة إلى مريال ثاني(9)
على كلبا و ما حاز الجبل
من البلدان قاصي و داني (10)
و جاد الجود منها في الشمال
على البدوان ساحبة الجنان(11)
و جاه السيل من روس الجبال
و جل اغفاه و امتلت المغاني(12)
الظفرة : المنطقة المعروفة في أبوظبي ، سيفة دهان : موضع على ساحل البحر برأس الخيمة.
سيح الغريف : موضع يحتوي على المدام و فلي المليحة ، وادي المكْن : وادي العوير حالياً.
نزوة و الهباب : موضعان غرب الفاية ، وادي الجرن فيقع بينهما.
فلاح : اسم بئر يقع قرب مطار الشارقة الحالي ، العذيب : اسم بئر أيضاً.
الصجعة : المنطقة المعروفة في الشارقة ، العشوش : موضع يقع غربيها.
رمل الحويمي و سيح اليلح مناطق معروفة في دولة الإمارات.
تاهل و عثمر : يقهان شرقي طوي راشد، الغويل : بئر ماء قريب من الغذيب.
كفا : موقع يقع طرف الجزي ، الخرير : موضع الخران في رأس الخيمة.
الزرع: بئر يقع جنوب جزيرة الزعاب، مريال ثاني : سواحل خورقكان و كلبا و غيرهما، الهزوع : مناطق رملية تقع في طريق الحمرانية.
حكمته:
تناقل الناس الكثير من القصص عن حكمة هذا الشاعر الفيلسوف ، و عن سرعة بديهته و نباهته، من هذا أن ثلاثة رهط قدموا عليه فاستقبلهم كعادته بالترحاب و الضيافة العربية الأصيلة ، من غير معرفة أسمائهم و لا من أين أتوا ، حتى إذا أتمم عليهم سألهم الواحد تلو الآخر : ما اسمك؟ ، فأجاب الأول : في ايدك اليمنى ، فقال الماجدي بثقة : مرحبا بخاتم، أم الثاني فقال : تمرك العامي ، فرحب به الماجدي قائلا يا هلا بعتيج، أما الثالث فقد قال : من العشر ثلاث، فقال الماجدي على الفور : أهلا بالسبع.
و حكاية أخرى عن الماجدي أن رجلا امتحنه بأسئلة شعرية عبارة عن شطر من بيت ، فقال : إيش الفتاة اللي يزاغيها الصبا؟ ، فأجابه ابن ظاهر : سفينة و يديرها سكانها،
قال: إيش الفتاة اللي تجهجل عينها؟ ، فرد الماجدي : هي الرحا و يديرها مطحانها،
قال : إيش الفتاة اللي حسين لونها ؟ فقال شاعرنا : الشمس و الله عالم بزوالها.
مهنته :
إن المرء منا لا يختار إلا المهنة المناسبة لشخصيته ، التي يحسب أنه لديه ملكتها ، و إن المهنة مهما كانت لتطبع في قلب صاحبها طباعاً مستمدة من ماهيتها و نهجها ، فالمهندس غالبا ما ينتهج الدقة في حياته و الطبيب تراه محبا لمساعدة الآخرين و إسعادهم، و القاضي تراه يتقصى حقائق الأمور ..إلخ
شاعرنا الماجدي كان تاجر لؤلؤ، و لا يختلف اثنان أن تلك كانت مهنة الأشراف في تلك الحقبة من الزمن، و قد كان رحمه الله يعمل على جلب اللؤلؤ بنفسه فقد كان غواصا (غيص) أيضا ، قبل أن يبلغ به الكبر عتيا ، لقد هيأ الله سبحانه و تعالى للشاعر الفيلسوف الجمع بين العمل اليدوي و التجارة في آن واجد ، بالإضافة إلى انتمائه المطلق إلى طبقة الأشراف و أعيان البلدة (رأس الخيمة)، نرى ملامح هذا الشخصية المبجلة واضحة جلية في أشعاره ، في استهلالاته باسمه و باسم قبيلته ، و بلفظة فهيم التي تكررت لتؤكد أن قائلها لم يكن يقصد بها الفخر بقدر ما كان يحاول توثيقها و قد كان له ما أراد بكل استحقاق.
إن تلك النفس العفيفة الشريفة ، ملأت صاحبها عزا و كرما حدا بكل من عاشره في حياته أو قرأ أشعاره بعد مماته إلى توقير ذلك الشخص القدوة في جل أفعاله و أقواله ،
و قد روي عنه أنه اختبر تربة الأرض في أماكن متفرقة ليعرف أيها يحسن التعامل مع جسده بعد غيابه، و وصى بدفنه في أجودهن، وهذا الفعل إن دل فإنما يدل على عزة نفس و أنفة لا يشوبها كبر كما نحسبه ، و لا نزكي على الله أحدا.